ثورة في القوانين: تعديلات مدونة الأسرة المغربية 2024 بين الحاجة إلى التحديث،والتحفظ الديني.

مقدمة
تمثل مدونة الأسرة المغربية، التي أُقرت عام 2004، قانونا أساسيا تناول قضايا الأسرة في المغرب. ومع تطور المجتمع وتغير الأدوار الاجتماعية، أصبح من الضروري إعادة النظر في بعض بنود هذه المدونة. فتعديلات مدونة الأسرة المغربية التي تم اقتراحها مؤخرًا (2024)، أثارت جدلاً واسعًا وأثارت النقاش حول دور الدين والحداثة في تشكيل القوانين الأسرية.
1-الخلفية و السياق
مدونة الأسرة المغربية هي نتيجة لجهود الحكومة المغربية لتحديث القوانين الأسرية وتحقيق المساواة بين الجنسين. وقد تمت الموافقة على البعض من هذه التعديلات في متم السنة الجارية، وتمثل خطوة مهمة نحو تحسين حقوق المرأة والطفل في المغرب، لكن بمجرد صدور هذه التعديلات اندلع نقاش في الأوساط المجتمعية المغربية بجل شرائحه، وهو ما أحدث نوعا من التدافع والنقاش وإبداءات الرأي و الرأي الآخر، حيث يرى البعض أن هذه التعديلات فيها تقدما نحو الحداثة، بينما يرى آخرون أنها تحمل تهديداً لقيم تعاليم الإسلام السمحة.وفي هذا المقال سنكشف وجهات النظر المختلفة، وندرس الحجج والأدلة المطروحة من كلا الجانبين.
2-أهم التعديلات المقترحة لتعديل مدونة الأسرة المغربية 2024
…سنذكر بإيجاز أهم التعديلات المقترحة في مدونة الأسرة المغربية 2024، ففيما يخص تعدد الزوجات، تم إدخال تعديلات جوهرية تنص على إجبارية استطلاع رأي الزوجة خلال توثيق عقد الزواج بشأن اشتراطها عدم التعدد، فإذا نص العقد على ذلك، فإن الشرط يصبح ملزمًا للزوج،وفي حالة عدم وجود الشرط، فإن التعدد سيُحصر في ظروف استثنائية كالعقم أو الأمراض المانعة للمعاشرة، أو وفق تقدير القاضي استنادًا إلى معايير محددة.
وبالنسبة للحضانة والنيابة القانونية، فقد شهدتا تعديلات نصت على جعل النيابة القانونية حقًا مشتركًا بين الزوجين أثناء العلاقة الزوجية وبعد الانفصال، مع إعطاء قاضي الأسرة صلاحية البت في أي خلاف.
كما تم تعزيز حقوق الأم المطلقة في حضانة أطفالها حتى عند زواجها، مع ضمان الحق في سكن المحضون وتنظيم زياراته وسفره بما يخدم مصلحته.
وفيما يتعلق بالإرث، اعتمدت التعديلات رأي المجلس العلمي الأعلى الذي يتيح إمكانية وهب أموال للوارثات قيد الحياة، مع اعتبار “الحيازة الحكمية” كافية.
كما تم تضمين المدونة إنشاء هيئات للوساطة والصلح، لمعالجة النزاعات الأسرية قبل اللجوء إلى القضاء…
3-تعديلات مدونة الأسرة المغربية… بين مؤيد ومعارض
يرى المؤيدون لتعديلات مدونة الأسرة المغربية أنها خطوة مهمة نحو تحقيق المساواة بين الجنسين وتحسين وضع المرأة في المجتمع المغربي. فقد شملت هذه التعديلات مسائل: مثل رفع سن الزواج للفتيات، وتقليص الفجوة بين حقوق الزوجين، وتحسين حماية الأرامل والمطلقات وأطفالهن… وبالنسبة لهم( أي المؤيدون)، فإن هذه الإصلاحات تتماشى مع روح الإسلام والتقاليد المغربية، والتي تؤكد على العدالة والكرامة الإنسانية.
في حين، يرى المعارضون أن هذه التعديلات تشكل تهديدًا للقيم الدينية التقليدية وللنموذج الأسري المغربي المحافظ. فهم يعتبرون أن بعضا من هذه التغييرات، مثل: رفع سن الزواج للفتيات أو تقليص سلطة و مكانة الزوج، تتعارض مع التشريعات الدينية الإسلامية المتوارثة للأسرة والزواج المغربيين. كما يخشى البعض من أن هذه التعديلات قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي وتفكك النسيج الأسري المغربي.
4-نقاش مستفيض ….. لحل وسيط
يبدو أن هناك صراعًا بين رؤيتين متناقضتين: رؤية الحداثة والتحديث، ورؤية الحفاظ على التعاليم الدينية الإسلامية والاجتماعية، ففي الواقع، لا يوجد لحل سحري يرضي الجميع، بقدر ما هناك حاجة إلى توازن دقيق بين هذين الاتجاهين.
من ناحية، يمكن القول أن تعديلات مدونة الأسرة تمثل محاولة لمواكبة التطورات الاجتماعية والاقتصادية المعاصرة، وتعزيز حقوق المرأة وكرامتها. وهذا ينسجم مع روح الإسلام والتقاليد المغربية التي تؤكد على العدالة والمساواة. ومن الناحية العملية، قد تساهم هذه التعديلات في تحسين الاستقرار الأسري على المدى الطويل.
ومن ناحية أخرى، يجب الاعتراف بأن بعض التعديلات قد تبدو متطرفة أو متعارضة مع التعاليم الدينية الإسلامية للأسرة والزواج المغربيين. وهذا ما يفسر المخاوف المشروعة لدى البعض من أن هذه التغييرات قد تؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وانقسامات.
إن تعديلات مدونة الأسرة المغربية تمثل موضوعًا معقدًا ومتعدد الأبعاد. فهي تحاول التوفيق بين الحداثة والتحفظ الديني، مما أثار جدلاً واسعًا في المجتمع. وعلى الرغم من أن هذه التعديلات تحمل في طياتها إمكانات كبيرة لتحسين وضع المرأة وتعزيز الاستقرار الأسري، إلا أنها تواجه معارضة من العديد من شرائح المجتمع المغربي المحافظ الذي يرى فيها تهديدًا للقيم الدينية التقليدية.
للوصول إلى حل مقبول للجميع، هناك حاجة إلى حوار مفتوح ومتسامح بين جميع الأطراف المعنية. فالتوفيق بين الحداثة والتحفظ الديني في مسألة الأسرة والزواج يتطلب إيجاد طرق مبتكرة وحلول وسطية تراعي الخصوصية الثقافية والدينية للمجتمع المغربي المحافظ.