السكيزوفرينيا، ازدواج الشخصية، النفاق... أية علاقة؟

ألغاز العقل البشري: السكيزوفرينيا، ازدواج الشخصية، والنفاق… بين الحقيقة والخَيال.
مقدمة
عادة ما نقول على شخص أو نحكم عليه أنه تتغير شخصيته و طباعه إلى شخصية مختلفة عما كان عليه سابقا(بمعنى تغيرت تصرفاته)، أو من يقدم رأيين متعارضين في الوقت نفسه أنه “متعدد الوجوه” وننعته بـ: “سكيزو” أي مصاب بالسكيزوفرينيا، وهذا خطأ كبير وشائع اليوم؛ ذلك أن السكيزوفرينيا ليست ازدواج الشخصية ولا تعني تعدد الوجوه أيضا.
من خلال هذا المقال سنحاول التمييز بين هذه المفاهيم السكيزوفرينيا و ازدواج الشخصية، حتى لا نخطئ في استخدامها ونستعملها في موضعها الصحيح.
1- مفهوم السكيزوفرينيا: schizophrenia
يعد الفصام أو انفصام الشخصية مرادفات لمصطلح السكيزوفرينيا، ويقصد بها حالة مرضية ناتجة عن اضطراب عقلي يؤثر على تصرفات المصاب بها وعلى طريقة تفكيره مما يجعله منفصلا عن الواقع، كما يمكن تعريف السكيزوفرينيا أو الفصام أنه: اضطراب نفسي يتميز بفقدان الاتصال بالواقع( الذهان psychosis) و الهلوسة (سماع أصوات غير موجودة)، والإيمان بمعتقدات زائفة، والتفكير والسلوك غير الطبيعيين، وقلة التعبير عن المشاعر، وضعف الهمة والدافع، وتدني الوظائف الذهنية (الإدراك)، ومشاكل في الأداء اليومي بما في ذلك ظروف العمل والدراسة و العلاقات الاجتماعية… والعناية الشخصية بالنفس,
وبالتالي فالمصاب بالسكيزوفرينيا ليس مزدوج الشخصية، بل له شخصية واحدة تعيش-لاشعوريا- تداخلا بين الواقع والخيال.
وينتشر هذا المرض بشكل واسع حيث يصيب 1٪ من سكان العالم، وفيما يلي نذكر بعضا من أعراضه:
-الهلوسة: بحيث يسمع المصاب بالفصام أصواتا غير موجودة في الواقع تخاطبه أو تأمره وتهدده، ولا تقتصر الهلوسة على سماع الأصوات بل يمكن أن يرى المصاب أشخاصا أو أضواء وأشكالا لا وجود لها في الواقع…كما تشمل الهلوسة كل الحواس الاخرى.
-التوهم: وهي تخيلات خاطئة وتصورات مضللة وغير منطقية للمصاب، كأن يتوهم أنه مراقب وهناك من يتجسس عليه، وقد يصل الأمر بالبعض أن يتوهموا تعرضهم للضرب والاعتداء.
-اختلال التعبير: وهذا طبيعي نظرا لكون المصاب بالفصام يفتقد القدرة على التركيز مما ينتج عنه تداخل في الحديث والانتقال من موضوع إلى آخر دون وجود منطق فيما يقوله.
-اضطراب الفكر أو التفكير: يجد الشخص صعوبة في التركيز، فربما لا يستطيع قراءة مقالة في صحيفة او مشاهدة برنامج تلفزيوني إلى النهاية أومواكبة الدراسة أو التركيز في العمل أو أفكار مشوشة. فقد تنجرف هذه الأفكار من فكرة الى فكرة آخرى دون وجود أي صلة واضحة بينهما. وبعد دقيقة أو اثنتين ، لا يمكن للشخص نفسه ان يتذكر ما يريد في الأصل التفكير به. البعض يصف افكار هؤلاء الأشخاص بأنها “مبهمه” او “مشوشة” عندما يحدث هذا وعندما يفكر بهذه الطريقة ، وحينها يكون من الصعب على الناس ان يفهموهم… أو الشعور بأنه مُسيطر عليه، و أن شخصا آخر قد وضعها في عقلك،ويشعر ان جسمه مُسيطر عليه، مثل الرجل الآلي. الناس تفسر هذه التجارب بطرق مختلفة. البعض لديه تفسيرات تكنولوجيه ، مثل الاذاعة والتلفزيون او اشعه الليزر و الإكثار من استعمال الهاتف النقال ،علما أن شريحة من الناس الآخرين يفسرونها بالسحر، والأراوح ، او الشيطان وهلم جرا…
كما أن هناك أعراضا أخرى للسكيزوفرينيا غير أننا اقتصرنا على أهمها، وسننتقل الآن إلى المصطلح الموالي.
2-ازدواج الشخصية: Personality pairing
بداية نشير إلى أن ازدواج الشخصية يعتبر مصطلحا نفسيا وليس إجتماعيا، ويقصد بازدواج الشخصية اضطراب نفسي ينتج عنه امتلاك المصاب لهويتين/شخصيتين مختلفتين أو أكثر من ذلك (ثلاثة أو أربعة…) لكل منها طريقة فريدة في التفكير وتحليل الأمور والتصرف. ويتم الانتقال بين الشخصيات في ثواني بسبب وجود ضغط نفسي أو اجتماعي كبير.
بناء على ما سبق، فإن المصاب بازدواج الشخصية يعيش في صراع دائم بين شخصياته مما يسبب له القلق النفسي والتوتر العصبي، وقد يصل به الأمر حد الاكتئاب والوسواس القهري.
ويُعزى ازدواج الشخصية غالبا إلى تعرض المصاب للاعتداء الجنسي في طفولته أو أي نوع من أنواع الاعتداء الجسدي أو النفسي، لذلك فإن علاج هذا الاضطراب يتطلب الخضوع للعلاج النفسي طويل المدى.
3- تعدد الوجوه (النفاق): Hypocrisy
سبق أن أشرنا أعلاه إلى التداخل والخلط الذي قد يقع بين المصطلحيين السابقين الفصام و ازدواجية الشخصية وما نطلق عليه “تعدد الوجوه”(النفاق)، والحال أننا بصدد ثلاث مفاهيم مختلفة، قمنا بتوضيح اثنين منهما والآن سنقوم بتوضيح المصطلح الأخير.
بخلاف السكيزوفرينيا وازدواجية الشخصية، فلا يغدو تعدد الوجوه أو النفاق اضطرابا عقليا أونفسيا بل يمكن اعتباره -إن صح التعبيير- اضطرابا اجتماعيا ناتجا عن تراكم مجموعة من التناقضات لدى الشخص منذ الطفولة بخصوص الأسرة والمدرسة والشارع…، إنه ببساطة ناتج عن تنشئة اجتماعية غير سليمة لشخص يجد نفسه في مجتمع منافق وكاذب فيصير هو بدوره على هذه الشاكلة، يكذب وينافق لخدمة مصالحه الشخصية، وهذا ما يَحُثُّ عليه المثل الشعبي المغربي القائل: “يلا كانت حاجتك عند الكلب قولو سيدي”؛ والمقصود من هذا القول عزيز القارئ، أنه إذا كانت لك حاجة لدى الكلب فلاضرر في جعله سيدا لك حتى تحصل على مبتغاك. وهذا مثال للتوضيح فقط ولا ينبغي أخذ هذا القول على أنه دعوة للنفاق.
وحتى لاأنسى للإشارة إلى أن النفاق يتم بوعي تام من الشخص المنافق بخلاف السكيزوفرينيا وازدواجية الشخصية.

4-الأسباب و العوامل المسببة للسكيزوفرينيا.
- العوامل الجينية: تاريخ عائلي من الإصابة بالسكيزوفرينيا.
- العوامل البيئية: تعرض للفيروسات أو المواد الكيميائية في الرحم.
- العوامل العصبية: اختلالات في بنية الدماغ ووظائفه.
- العوامل النفسية: التوتر والضغط النفسي.
- العوامل الاجتماعية: العزلة والانفصال الاجتماعي.
- العوامل الكيميائية: تعرض للمواد الكيميائية الضارة.
- العوامل الوراثية: طفرات جينية معينة…
إلى حدود كتابة هذه الأسطر، ستصل عزيزي القارئ إلى نقطة طرح السؤال، ومما لا شك فيه سؤالك هذا سيكون حول ما هية طرق التخلص من الفصام و ازدواجية الشخصية أو – على الأقل- التخفيف من الأعراض؟
5-التغلب على السكيزوفرينيا: استراتيجيات العلاج النفسي و الاجتماعي والطبي.
أ_العلاج الطبي:
وفيما يلي أقدم بعضا مما أراه مناسبا لتجاوز هذه الأعراض: صحيح هناك العلاج بالأدوية و من أشهرالأدوية لعلاج الفصام:
1-الكلوربرومازين chlorpromazine هو الفينوثيازين الذي يستخدم لعلاج الاضطرابات الذهانية مثل الفصام أو الهوس والاكتئاب لدى البالغين.
2-دواء سولبريدSulpiride يستعمل لعدة حالات مثل الفصام والقلق النفسي و غيرها من الأدوية…
3-اعتماد العلاج السلوكي: من خلال تعزيز السلوكيات الإيجابية
4-العلاج بالصدمات الكهربائية لكن في حالات معينة.
ب_العلاج الاجتماعي:
- الدعم الاجتماعي: توفير الدعم والرعاية.
- التأهيل المهني: تعزيز المهارات العملية.
- التربية والتدريب: تعزيز المهارات الاجتماعية.
- الرعاية الصحية: توفير الرعاية الطبية.
- الأنشطة الترفيهية: تعزيز النشاط والترفيه.
ج_العلاج النفسي:
- العلاج النفسي الديناميكي: التركيز على العلاقات العائلية والاجتماعية.
- العلاج المعرفي السلوكي: تغيير السلوكيات والافكار السلبية.
- العلاج العاطفي: التركيز على التعبير عن المشاعر.
- العلاج الجماعي: الدعم والتفاعل مع الآخرين.
- العلاج العائلي: تعزيز الدعم العائلي.
لكن ما أود الإشارة اليه في هذه النقطة هو ضرورة اللجوء إلى العلاج الذاتي، وإصلاح الذات المصابة -نفسيا- و التقرب إلى الله، و ما أقدمه لا يغدو أن يكون نظرة القارئ في إثارة النقاش حول هذه الظواهر موضوع المقال، و هنا يجرنا الحديث إلى تعلم تقنيات الاسترخاء. حاول ان تستمتع بوقتك دائماً؛ قضاء بعض الوقت مع اشخاص آخرين؛ البقاء مشغولا معظم الوقت ؛الاستماع الى التلفزيون والاذاعة وتتبع برامج ذات محتوى رفيع، تذكر بأن هذه الاصوات لا يمكن أن تضر بك؛ تذكر بأن هذه الأصوات لا تملك اي سلطة عليك ولا تستطيع ان تفعل شيئا لا تريد انت ان تقوم به؛ الانضمام الى مجاميع الناس و مناقشة مواضيع في مختلف المناحي ( رياضة؛ مجتمع؛ سياسة…)؛
وجب معرفة الفصام والادوية الخاصة بك من خلال الحديث مع ممرضة الصحة النفسية أو الطبيب نفساني، اذا كان الدواء لا يعمل جيدا، ابحث عن ادويه بديلة مع الفريق المعالج لرعاية جسمك؛ محاولة أكل نظام غذائي متوازن ، مع الكثير من الخضروات الطازجه والفاكهة؛ ممارسة الرياضة، حتى لو كان فقط لعشرين دقيقة يوميا مثل السير على الاقدام..
وأخيرا أنصح الأشخاص المصابين بالسكيزوفرينيا بربط الاتصال اليومي مع كتاب الله عز و جل لما له من طمأنينة على النفس و إراحة البال، و معلوم أن القرآنَ الكريمِ كلُّه خير وفضل، وإنَّ قراءته سبب من أسباب حصول الراحةِ واطمئنانِ القلبِ، ودليل ذلك قول الله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) سورة الرعد: الآية 28.