القلق الوجودي: بين البحث عن المعنى وتقبل الغموض.

القلق الوجودي: بين البحث عن المعنى وتقبل الغموض.
مقدمة
في لحظة من لحظات التأمل، قد تجد نفسك تتساءل عن معنى الحياة أو عن مصيرك بعد الموت، أو حتى عن دورك في هذا الكون الشاسع و الواسع…، كل هذه الأسئلة وغيرها، تُعرف “بالأسئلة الوجودية”، التي قد تثير فينا شعوراً بالقلق العميق، هذا الأخير يُطلق عليه القلق الوجودي، لكن ما هو هذا القلق؟ وكيف يمكننا التعامل معه دون أن يطغى على حياتنا اليومية؟ وكيف يممكنا تفادي القلق الناتج عن هكذا أسئلة، دعونا نغوص في هذا الموضوع معاً، و الغوص هنا لإثارة النقاش حيال الموضع و معرفة أسبابه و بعض حيثياته.
ماهو القلق الوجودي
القلق الوجودي هو ذاك الشعور بالضيق أو الخوف الذي ينشأ عندما نبدأ في التفكير في طبيعة وجودنا ومصيرنا، هذا النوع من القلق لا يرتبط بمشكلة يومية محددة، مثل الوظيفة أو العلاقات أو حتى في مختلف مناحي الحياة…، بل يتعلق بأسئلة أعمق وأكثر جوهرية. قد تتساءل: ما الهدف من الحياة؟ هل هناك معنى حقيقي وراء وجودنا؟ أو ماذا سيحدث بعد الموت؟ هذه الأسئلة، وإن كانت تبدو فلسفية، إلا أنها يمكن أن تترك أثراً عميقاً على حالتنا النفسية.
إن القلق الوجودي ليس مجرد قلق عابر، بل هو استفهام عن الوجود نفسه. وينشأ نتيجة إدراك الشخص الفعلي لحريته في اتخاذ قراراته الخاصة، فيسأل نفسه عن معنى وجوده، وكيف يمكنه خلق معنى لحياته الشخصية.
القلق الوجودي: أسباب ومسببات
القلق الوجودي ليس مجرد شعور عابر، بل هو نتيجة لعدة عوامل متداخلة بعضها ببعض. أحد الأسباب الرئيسية هو إدراك صيرورة الزمن أو بالأحرى “الوعي بالزمن”، فإدراكنا أن الحياة محدودة وأن الوقت يمر بسرعة يمكن أن يثير القلق. بالإضافة إلى ذلك، من بين الأسباب الأخرى نذكر التفكير في الموت فهو يلعب دوراً كبيراً في هذا النوع من القلق و الخوف من المجهول وما بعد الموت يمكن أن يكون مرهقاً نفسياً.
أيضاً، التساؤل عن الهوية يمكن أن يخلق شعوراً بعدم الاستقرار. من نحن؟ وما دورنا في هذا العالم؟ هذه الأسئلة قد تظهر في مراحل مختلفة من الحياة، خاصة في فترات التغيير أو الأزمات، مثل فقدان شخص عزيز أو تغيير مهني كبير. ولا ننسى التأثيرات الثقافية، الأفلام؛ الكتب؛ الروايات… وحتى وسائل التواصل الاجتماعي قد تثير هذه الأسئلة بشكل متكرر.
كيف يؤثر القلق الوجودي على حياتنا؟
القلق الوجودي ليس بالضرورة شيئاً سلبياً، في الواقع يمكن أن يكون محفزاً للتغيير والنمو الشخصي. عندما نبدأ في التساؤل عن معنى حياتنا، قد نجد أنفسنا نعيد تقييم أولوياتنا و التبصر في ذواتنا ونبحث عن طرق جديدة لإضفاء المعنى على وجودنا، ومع ذلك، عندما يصبح هذا القلق مفرطاً، قد يؤدي إلى الشعور بالعزلة، قد تشعر أن الآخرين لا يفهمون ما تمر به مما يزيد من شعورك بالوحدة.
في بعض الحالات، قد يؤدي القلق الوجودي إلى فقدان الدافع، إذا لم تجد معنى لحياتك، قد تفقد الرغبة في تحقيق الأهداف أو حتى في الاستمتاع بالحياة اليومية. وفي حالات أخرى، قد يتطور القلق الوجودي إلى اكتئاب إذا لم يتم التعامل معه بشكل صحيح، حينها يكون ذا تأثير كبير.
كيف نتعامل مع القلق الوجودي؟
يتطلب التعامل مع القلق الوجودي نهجاً متوازناً بين التفكير العميق والتقبل.
أولاً، تقبل الأسئلة بدلاً من الهروب منها. القلق الوجودي جزء طبيعي من التجربة الإنسانية، بدلاً من محاولة تجنب هذه الأسئلة، حاول أن تتقبلها كفرصة للتعمق في فهم نفسك والعالم من حولك.
ثانياً، ابحث عن معنى شخصي، ليس بالضرورة أن يكون هناك معنى عالمي للحياة. يمكنك أن تخلق معنى خاصاً بك من خلال علاقاتك؛ وظيفتك أو حتى هواياتك… ما الذي يجعلك تشعر بالرضا؟ ابدأ من هناك.
ثالثاً، التواصل مع الآخرين. التحدث مع أشخاص يشاركونك نفس الأسئلة يمكن أن يخفف من شعورك بالعزلة. قد تجد أن الآخرين لديهم وجهات نظر مختلفة تساعدك على رؤية الأمور بشكل جديد.
رابعاً، مارس التأمل أو الكتابة وليس الكآبة، فالتأمل يمكن أن يساعدك على تهدئة عقلك والتركيز على اللحظة الحالية. أما الكتابة، فتمنحك فرصة لتنظيم أفكارك ومشاعرك بشكل واضح.
أخيراً، ركز على ما يمكنك التحكم فيه. بدلاً من التفكير في الأمور التي لا يمكنك تغييرها، مثل الموت أو طبيعة الكون، ركز على الأشياء التي يمكنك التحكم فيها، مثل كيفية قضاء وقتك أو كيفية تعاملك مع الآخرين.
الجانب الإيجابي للقلق الوجودي
على الرغم من أن القلق الوجودي قد يبدو مرهقاً، إلا أنه يمكن أن يكون مصدراً للإلهام والنمو، عندما نتعمق في هذه الأسئلة، قد نكتشف قيماً جديدة، نعيد ترتيب أولوياتنا، أو حتى نجد شغفاً جديداً في الحياة، وعليه يمكن للقلق الوجودي يمكن أن يكون دافعاً لخلق حياة أكثر إشباعاً وهادفة.
ختاماً: القلق الوجودي كجزء من رحلة الحياة
القلق الوجودي ليس شيئاً يجب أن نخاف منه أو نخجل به. إنه جزء طبيعي من كوننا بشراً نفكر ونتساءل. بدلاً من محاربته، يمكننا أن نتعلم كيف نتعايش معه ونستخدمه كأداة لفهم أنفسنا والعالم بشكل أعمق. تذكر، الأسئلة الكبرى لا تحتاج دائماً إلى إجابات محددة، بل تحتاج إلى شجاعة لمواجهتها والاستمرار في الرحلة.
إذا كنت تعاني من القلق الوجودي، فلا تتردد في مشاركة أفكارك مع أشخاص تثق بهم أو طلب المساعدة من مختص إذا لزم الأمر. الحياة رحلة مليئة بالأسئلة، وأحياناً… السؤال نفسه هو ما يجعل الرحلة مثيرة للاهتمام.