التفاهة و الشهرة: لماذا يفضل 80% من متصفحي مواقع التواصل الاجتماعي التفاهة؟

التفاهة و الشهرة: لماذا يفضل 80% من متصفحي مواقع التواصل الاجتماعي التفاهة؟
مقدمة
في عصر تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتداخل فيه الثقافات، يبدو أن مفهوم الشهرة قد تغير بشكل جذري. إذ لم يعد الأمر مقتصرًا على الموهبة أو الجهد، بل أصبح بإمكان أي شخص- بغض النظر عن محتواه- أن يصبح مشهورًا. ومع ذلك، فإن ما يثير الدهشة هو صعود “التافهين” الذين يقدمون محتويات سطحية أو غير هادفة، ليصبحوا في طليعة المشهد. فما هي الأسباب وراء هذه الظاهرة؟
التفاهة… المفهوم الجديد للتفاعل
لنفهم أولاً ما نعنيه بالتفاهة. في سياقنا هذا ، إذ يمكن أن نعرّف التفاهة بأنها المحتوى الذي يفتقر إلى العمق أو القيمة الفكرية. يتضمن ذلك مقاطع الفيديو المضحكة، التحديات الغريبة، أو حتى التعليقات السطحية التي لا تحمل أي رسالة. لكن، لماذا يُقبل الناس على هذا النوع من المحتوى؟
كما يمكن تعريف التفاهة بأنها التوجه نحو الأمور السطحية، الخفيفة، والمفرغة من القيمة الحقيقية، إذ تميل نحو اللاجدية وترك القضايا العميقة والموضوعات المهمة جانبًا لصالح ما هو سهل ومُستهلك. هذه الظاهرة ليست مجرد صدفة عابرة؛ بل أصبحت تشكل جزءًا من الحياة اليومية لكثير من البشر.
وعرف الفيلسوف الكندي آلان دونو التفاهة انها: نقص الأصالة والكفاءة أو القيمة، وتعبر عن الدرجة المتوسطة في الفعل، بما هي معيار نخضع له، وقد رُفِع إلى درجة الحكم والسلطة والهيمنة، ليتخذ صفة نظام قائم الذات نافذ السلطة والسطوة.
ماوراء كواليس التفاهة: الأسباب و المسببات
الهروب من الواقع
في عالم مليء بالضغوط والتحديات، يبحث الكثيرون عن وسائل للاسترخاء والهروب من الواقع. المحتوى التافه يوفر لحظات من المرح والضحك، مما يجعله جذابًا. إذًا، هل نتجه نحو التفاهة كوسيلة للتهرب من مشكلات الحياة؟
السرعة و السهولة
يتميز المحتوى التافه بأنه سريع الاستهلاك وسهل الفهم. في زمن سريع الإيقاع، يميل الناس إلى تفضيل المحتوى القصير والسهل على المقالات الطويلة أو النقاشات العميقة. وهل نحن حقًا مستعدون لاستثمار الوقت في محتوى يتطلب التفكير؟
تأثير الخوارزميات
تتدخل خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي في تحديد ما يُعرف بالشائع. تتجه الخوارزميات إلى تعزيز المحتوى الذي يحقق تفاعلاً عاليًا، سواء كان ذلك عن طريق الضحك أو الجدل. وهنا يأتي السؤال: هل نحن نساهم في تعزيز هذه الظاهرة من خلال تفاعلنا؟
الشهرة و التفاهة فلسفة وأخلاق
ما هي الشهرة في نهاية المطاف؟ هل هي محصلة للموهبة، أم مجرد حظ؟ يطرح هذا السؤال العديد من النقاشات الفلسفية. هل يجب علينا أن نعيد تقييم نماذجنا الاجتماعية؟ هل من العدل أن نحتفل بالتفاهة بدلاً من الإنجازات الحقيقية؟ فالبحث عن الشهرة أومسمى “مشهور” أصبح مهنة من لا مهنة له بصرف النظر عن المحتوى الذي يقدمه أو سبب شهرته.
ترى الباحثة بالأمن الفكري، فهدة العريفي، أن البحث عن الشهرة ومسمى “مشهور” أصبح مهنة من لا مهنة له بصرف النظر عن المحتوى الذي يقدمه أو سبب شهرته، ونتيجة لذلك تتكون “قاعدة جماهيرية” واسعة لمشاهير كثير منهم لا يقدمون “محتوى مفيد” ويتلاعبون بأفكار العامة، وخاصة الشباب ويؤثرون على سلوكياتهم، فزيادة نسب المشاهدات والحفاظ عليها” بات هاجسا لدى الكثيرين من صناع المحتوى، ما يدفع لفعل “أي شيء وبأي طريقة”.
عبث القيم… متعة التفاهة اللحظية… تأثير الشهرة
تأثير التفاهة على القيم الاجتماعية والفردية يعتبر كبيرًا ومتعدد الأوجه. فالتفاهة تؤدي إلى تدهور القيم الأخلاقية والدينية، حيث يركز الأفراد على الشهرة والمادية بدلاً من الأخلاق والقيم. هذا يؤدي إلى تقليل الاحترام للآخرين وتعزيز الفردية على حساب الجماعة.
بالإضافة إلى ذلك، التفاهة تشجع على السطحية والاندماج في الأمور التافهة بدلاً من التركيز على المواضيع الحيوية. هذا يؤدي إلى تقليل القيم التعليمية والبحثية وتأثير سلبي على العلاقات الاجتماعية.
من الناحية النفسية، التفاهة تؤدي إلى تقليل الثقة بالنفس وزيادة التوتر والقلق. كما تؤثر سلبًا على الهوية الشخصية وتقلل الإبداع والابتكار.
على المستوى الاجتماعي، التفاهة تؤدي إلى تدهور الثقافة والتراث وتقليل التضامن الاجتماعي والتعاون. كما تؤثر سلبًا على السياسة والديمقراطية وتقلل المسؤولية الاجتماعية والبيئية.
لذلك، من الضروري تعزيز القيم الأخلاقية والدينية وتشجيع التعليم والبحث العلمي. كما يجب ترويج الثقافة والتراث وتعزيز التضامن الاجتماعي والتعاون لتقليل تأثير التفاهة على القيم.
إن العلاقة بين التفاهة والشهرة تثير العديد من الأسئلة. كيف يمكننا أن نعيد توجيه المجتمع نحو محتوى هادف؟ هل يمكن أن نغير من توجهات الشباب لنحو القيمة والمعنى بدلاً من التفاهة؟
خاتمة… دعوة للتمحيص و التفكير
إن ظاهرة التافهين في عالم وسائل التواصل الاجتماعي ليست مجرد حالة عابرة، بل تعكس تغيرات عميقة في مجتمعاتنا. من المهم أن نتساءل عن دورنا في هذا المشهد، ونسعى لإيجاد توازن بين الترفيه والعمق. يجب علينا أن نتذكر أن الشهرة ليست غاية في حد ذاتها، بل ينبغي أن تكون نتاجًا للجهد والموهبة الحقيقية.
فلنبدأ النقاش حول كيفية إعادة تعريف الشهرة في عصر أصبح فيه التافهون رموزًا. كيف يمكن أن نعيد توجيه أنظارنا نحو المحتوى الذي يستحق أن يُحتفى به.