الخجل: بين عائق الاختلاف وإمكانية الائتلاف.

الخجل: بين عائق الاختلاف وإمكانية الائتلاف
مقدمة
يعتبر الخجل من الصفات السلبية التي تؤثر على حياتنا، ويبدو لنا أنه صفة ثابتة في التكوين البيولوجي وحتى العاطفي لشخصيتنا لا يمكننا تغييره، لذلك نعتقد أننا لا نستطيع التغلب على الخجل وتجاوزه.
_فما معنى الخجل؟
_وما هي أسباب الخجل؟
_وماهية الخجل عند الشخص الخجول؟ و كيفية تجنبه؟
الخجل ما هو و ما هي علاماته؟
يعرف الطبيب النفساني الأمريكي تيموثي جاي ليغ TIMOTHY LEGG الخجل:هو ذلك الشعور بالخوف أو الإنزعاج الناتج عن الأشخاص الآخرين، خاصة عند الموافق الجديدة مثل مقابلة أشخاص للمرة الأولى أو عند مقابلة الغرباء، وهو شعور غير مريح بالوعي الذاتي خوفًا مما قد يعتقده الآخرين، ويعمل هذا الخوف أو الرهبة على منع الشخص من قول أو فعل ما يريده، ويمكن أيضًا أن يمنع الشخص من تشكيل علاقات قوية وصحية مع الأشخاص الآخرين.
كما يعرف الخجل -حسب منظمة “كيدز هيلث” (Kidshealth)- الخجل بأنه الشعور بالارتباك وعدم الراحة والخوف قليلا من الوجود بالقرب من أشخاص آخرين، ويميل الطفل الخجول إلى الانسحاب من المواقف الاجتماعية.
أسباب الخجل
كما هو معروف في غالبية الاضطرابات النفسية،يمكن أن يولد الخجل نتيجة تفاعل عدد من المسببات والعوامل، سواء أكانت بيولوجية؛ بيئية…، ومن هذه الأسباب نذكر:
- أسباب وراثية: من الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى إصابة الشخص بالخجل هي العوامل الوراثية، إذ يعد هذا المرض أحد الأمراض التي تكون موجودة في بعض الأُسر، ولكن دور الجينات في التسبب بهذا المرض غير واضح بشكل كبير لحد الآن.
- البيئة الأسرية: يرجح هذا السبب إلى تلك الأنماط و الأساليب التربوية التي يمارسها الأهل اتجاه أطفالهم( من احتقار؛ التركيز على العيوب؛والعقاب عند الخطأ…)، ما يفضي إلى عدم قدرة الفرد على الإيمان بقدراته و مهاراته ومواهبه…، وهو طبعا مايجعله يشعر بالضعف وقلة الحيلة، و به الشعور بالخجل إذن.
- التدليل المفرط من قبل الوالدين: من أهم أسباب الخجل الاجتماعي عند الطفل هو التدليل المفرط من قبل الوالدين لطفلهما على سبيل المثال لا الحصر… عدم سماح الأم لطفلها أن يقوم بالأعمال التي أصبح قادرا عليها وعدم محاسبة الطفل حينما يفسد أثاث المنزل أو عندما يتسلق المنضدة أو عندما يسود الجدار بقلمه وتزداد مظاهر التدليل المفرط في نفس الوالدين عندما يرزقان بالطفل بعد سنوات كثيرة أو قد تكون الأم أنجبت بعد عدة اجهاضات مستمرة أو يأتي الطفل بعد إنجاب الأم لعدة إناث عندما يشعر الطفل بان المعاملة داخل المنزل لم يقابلها نفس المعاملة خارج المنزل وداخل المدرسة أو الحي أو الشارع غالبا ما يؤدي شعور الطفل بالخجل وخاصة إذا قوبلت رغباته بالصد وإذا عوقب على تصرفاته بالتأنيب والعقاب والتوبيخ.
الشخص الخجول…نظرته وخواطره.
إذا انطلقنا من فكرة مفادها أن الخجل صادر بالدرجة الأولى من نظرتنا للعالم من حولنا، وهي طبعا نظرة قابلة للتغيير والتعديل، فبإمكاننا إذن التغلب عليه وتجاوزه.
واذا كان الخجل، كما أشرنا سابقا، مرتبط بنظرتنا للعالم فإن أول مصدر له هو نظرتنا للغرباء؛ فالخجول غالبا ما يلتزم الصمت لدى تواجده مع أشخاص، حسب اعتقاده، لا يشبهونه سواء تعلق الأمر باختلاف في السن؛ أو المكانة الاجتماعية؛ أو الدين؛ أوالمعتقد؛ أو العادات والتقاليد؛ أو الأذواق…فهو يركز بالدرجة الأولى على أوجه الاختلاف بينه وبين الآخرين، ولسان حاله يقول: “ليس هناك اهتمامات مشتركة بيني وبين هذا الشخص إذن لا يمكنني بدء محادثة معه”.
إن الخجول إذن ليس شخصا سيئا، إنه ببساطة شخص يجعل من اختلافه عن الآخرين عائقا يحول دون إمكانية التواصل معهم وإظهار جانبه الجيد لهم.
وإذا عدنا إلى تاريخ الأمم والحضارات سنجد أن الخجل كان أول ردة فعل اتُجاه إختلاف حضارة وحضارة أخرى، غير أن الإنسان حينها سار في نهج أن البشر جميعهم، -بعض النظر عن اختلاف ألوانهم وألسنتهم-، يتقاسمون أصلا مشتركا هو انتماءهم للبشرية، الشيء الذي جعل العقل الإنساني ينفتح على الآخرين من بني جنسه انطلاقا من المبدأ التالي:
أنا إنسان، إذن كل إنسان ليس غريبا عني”
لينتقل من كونه شخصا خجولا إلى شخص كوني منفتح ثقافيا واجتماعيا، ليس لكونه يمتلك حس الدعابة أو ينتمي لطبقة إجتماعية معينة ولكن لأنه يعي حقيقة الإنسانية.
ومن بين مصادر الخجل أيضا يمكن أن نذكر المكانة الاجتماعية؛ فمنذ القدم لا يمكن للخادم الاقتراب من الملك، كما أن الفتاة القروية الفقيرة تخجل من محادثة رجل غني…وإلى يومنا هذا لا يعتقد الشاب العادي أن بإمكانه مواعدة فتاة جميلة، وأصحاب الطبقة المتوسطة يتخوفون من محادثة الأغنياء…
غير أنه إذا أمعنا النظر جيدا سيتبين لنا أن كل هذه الاختلافات المرتبطة بالمكانة الاجتماعية اختلافات واهية، وأن الشخص المنفتح يعي هذه الاختلافات بل ويقاومها لئلا تصبح عائقا بينه وبين الآخر الذي هو إنسان مثله في نهاية المطاف.
وعلى فكرة، من مصادر الخجل أيضا اعتقاد الشخص بأن وجوده يسبب إزعاجا للآخرين من حوله، الشيء الذي يجعله منغلقا على نفسه ويضيع عليه فرصة إنشاء علاقات اجتماعية مع الآخرين.
“تجاوز الخجل: الطريق إلى الثقة بالنفس”
التغلب على الخجل يتطلب فهمًا عميقًا لأسبابه وتطوير استراتيجيات للتعامل معه. يبدأ ذلك بالتعرف على الأسباب الشخصية للخجل، سواء كانت وراثية، بيئية أو ناتجة عن تجارب سابقة. ثم يتطلب تطوير مهارات التواصل الفعالة، مثل التعبير عن نفسك بطريقة واضحة ومؤثرة.
من المهم أيضًا التعامل مع المواقف الصعبة بشكل تدريجي، مع التركيز على النجاحات الصغيرة. بناء الثقة بالنفس من خلال الإنجازات الشخصية والاجتماعية يساعد أيضًا. كما أن تطوير مهارات الاستماع وتحسين التفاعل مع الآخرين يلعب دورًا هامًا.
التأمل والاسترخاء يمكن أن يساعدا في تحسين التحكم في العواطف. إذا لزم الأمر، لا تتردد في طلب المساعدة من أخصائي نفسي. يجب أن تكون صبورًا مع نفسك وتقبل أن التغلب على الخجل يستغرق وقتًا.
فالخجل هو شعور شائع يصيب العديد من الأشخاص، ويمكن أن يكون عقبة كبيرة في الطريق إلى النجاح الشخصي والمهني. ولكن، يمكن تجاوز الخجل ببعض الاستراتيجيات البسيطة. أولاً، من المهم أن نتعرف على أسباب الخجل لدينا، هل هو خوف من الفشل، أو خوف من الرفض، أو خوف من الوقوف أمام الناس؟ بمجرد أن نتعرف على أسباب الخجل، يمكننا البدء في تطوير استراتيجيات للتغلب عليه. على سبيل المثال، يمكننا البدء في ممارسة التحدث أمام المرآة، أو التحدث مع الأصدقاء المقربين، أو حتى الانضمام إلى مجموعة دعم. كما يمكننا ممارسة التأمل والاسترخاء لتهدئة أعصابنا وتقليل الشعور بالخجل.
بالإضافة إلى كل ما سبق ، من المهم أن نتعلم كيفية تقبل وتحمل النقد والرفض، لأن هذه هي جزء من الحياة. بمجرد أن نتعلم كيفية التعامل مع النقد والرفض، يمكننا أن نبدأ في بناء الثقة بالنفس وتجاوز الخجل.
يجب أن تذكر أن الخجل ليس عيبًا، ويمكن التغلب عليه بتعزيز الذات وتطوير مهارات التواصل